العدل أساس الملك، والعدل من الضوابط القوية في الإدارة، وإذا ما كنت قائدا عادلا، والأب قائد، فإن أداة العدل هذه ستساعدك في المحافظة على استقرار الأحوال.
وقد يميل القلب رغما عن صاحبه، يظل هذا سرا غير قابل لأي تلميح أو تصريح يشير إليه مهما صغر.
أما في مجرى الحديث عن الشخصية وكيفية تكوينها يقول عالم التربية واطسون: إن الشخصية هي بالمحصلة النتاج النهائي لمجموع عاداتنا، وبلا شك إن تلك العادات التي تتكون في المنزل أولا وقبل أي شيء آخر تمثل أفعالنا وسلوكياتنا وأقوالنا التي تعلمناها وبشكل أساسي من الأهل داخل الأسرة.
إذا، فهل نحن مدركون لأهمية دور الوالدين في التنشئة؟ إن تصرفات الأطفال مصدرها الأساسي ما يتلقونه وما يتعلمونه من الوالدين، فإما أن يحسن الوالدان التصرف، وذلك يشكل مصدر قوة وطمأنينة لأطفالهم، وأما أن يخطيء الوالدان فيكون ذلك مصدر القلق الأساسي في تنشئة الأطفال.
وإننا إذا أمعنا النظر قليلا، نجد إن هناك مجموعة من التصرفات تندرج ضمن قائمة السلوكيات الخاطئة في تربية الأطفال وتنشئتهم، فالتمييز في المعاملة بين الأطفال ضمن الأسرة أحدى أخطر هذه السلوكيات الخاطئة للأبوين.
فعندما يميل أحد الوالدين أو كلاهما ميلا شديدا إلى أحد أبنائهم، ويعاملونه بحب واحترام ودلال ويقدمون له أجمل الألعاب وكل ما يطلب دون أخوته، فإنهم بذلك يخلقون في نفسه بذور الأنانية وحب النفس والانكفاء على الذات.
وهذه السلوكيات هي بالمحصلة عوامل ضعف في تكوين الشخصية، فهي التي تجعل منه اتكاليا وضعيف المبادرة، ويسعى دائما إلى من يلبي له متطلباته ورغباته دون أن تكون له الإمكانية الكافية للمبادرة والتصرف السليم والمنطقي.
أما إذا انتقلنا إلى تأثير تلك السلوكيات على إخوته فاننا نصل إلى نتائج غير مرغوبة، ليس أقلها الشعور بالغبن وعدم الاهتمام وظهور مشاعر العداء والكراهية لديهم، والناتج عن شعورهم بالتهميش.
من ناحية أخرى، عندما يكون أحد الأطفال بعيدا عن اهتمام والديه عكس أخوته الآخرين، نجد أنه سرعان ما تتكون لديه مشاعر سلبية وإحساسه بأنه منبوذ وغير مقبول وغريب ضمن العائلة، مما يؤدي إلى خلق جو من المشاكل والخلافات بين الإخوة. إن ذلك يعود بالأساس إلى تلك المعاملة من قبل والديه، فعلى سبيل المثال عند ارتكابه خطأ ما بقصد أو دون قصد فإن الأم أو الأب يلجآن إلى معاقبته بقسوة، كإحساسه بأنه طفل منبوذ ولا فائدة منه، ففي هذه الحالة يكره المنزل ووالديه بالدرجة الأولى، ويسعى للوصول إلى الحب والطمأنينة خارج المنزل، وإن لذلك تأثيرا سلبيا في تكوين شخصيته، فالحرمان من عطف وحنان الوالدين لا يمكن تعويضه بأي شيء آخر، لأن الشعور بالنقص والحرمان لن ينتهي، ولعل من السلبيات التي يمكن أن ترافق شخصيته، تقبله الشديد لارتكاب الأعمال العدوانية تجاه الآخرين أو انزوائه الشديد والسلبي على نفسه، مما يجعله سهل المنال لأغلب حالات الاستغلال البشع من قبل البعض كما يحدث في عالم الجريمة، أو مروجي الأعمال الإرهابية.
إذا، التمييز في المعاملة بين الأطفال ضمن الأسرة الواحدة مشكلة لها نتائج سلبية، وهي تبدأ عند الآباء وتمتد لتلقي بظلالها القاتمة على حياة الطفل والأسرة والمجتمع.
من هنا تأتي أهمية أن يكون الوالدان مدركين لدورهما التربوي السليم من حيث عدم التمييز في المعاملة بين الأبناء، وأن يكونا شديدي الانتباه إلى تصرفاتهم، إذ يجب دائما أن نحسسهم بالحب والحنان والطمأنينة وبذل الجهد لتعديل ظروفهم داخل المنزل وخارجه، فالطفل بحاجة للانتماء إلى العائلة ومن ثم إلى الجماعة وهكذا، عندما يشعر الطفل بأنه مقبول في مجتمعه وبين أقرانه لا شك أنه سيصبح في المستقبل شخصا متوازنا ونافعا لنفسه ولعائلته ولمجتمعه ويكون مساهما فعالا كأي فرد صالح.....