الصّحابي الجليل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، كان مولى لعقبة بن أبي معيط، يرعى غنمه في شعاب مكة، فمرَّ عليه النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، ومعه الصدّيق، رضي الله عنه، ذات يوم، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''يا غلام، هل من لبن؟''. فقال عبد الله: نعم، ولكنّي مؤتمن. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''فهل من شاة حائل لم ينزل عليها الفحل''. فقال: نعم. ثمّ أعطاه شاة ليس في ضرعها لبن، فمسح رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ضرعها بيده الشّريفة وهو يتمتم ببعض الكلمات، فنزل اللبن بإذن الله. فحلبه الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، بيده في إناء وشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للضرع: ''اقلص''، فجفّ منه اللبن. فقال عبد الله في دهشة وتعجّب: علّمني من هذا القول الّذي قلته. فنظر إليه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في رفق ومسح على رأسه وصدره وقال له: ''إنّك غُليِّم معلّم''، ثم تركه وانصرف.
سرت أنوار الهداية في عروق ابن مسعود، فعاد إلى سيّده بالغنم، ثمّ أسرع إلى مكة يبحث عن ذلك الرجل وصاحبه حتّى وجده، وعرف أنّه نبي مرسل، فأعلن ابن مسعود إسلامه بين يديه، وكان بذلك سادس ستة يدخلون في الإسلام.
هاجر ابن مسعود الهجرتين، وآخى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بينه وبين الزبير بن العوام، رضي الله عنه، في المدينة. وكان ابن مسعود من أحرص المسلمين على الجهاد في سبيل الله، شارك في جميع غزوات المسلمين. ويوم بدر، ذهب عبد الله إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، مبشّرًا له وقال: يا رسول الله، إنّي قتلت أبا جهل. ففرح بذلك رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ووهبه سيف أبي جهل مكافأة له على ذلك.
توفي ابن مسعود، رضي الله عنه، سنة 32هـ وعمره قد تجاوز 60 عامًا، ودفن بالبقيع. وقد روى، رضي الله عنه، كثيرًا من أحاديث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وروى عنه بعض الصّحابة والتابعين رضي الله عنهم.