لمّا كان الأدب سلوكًا يتعلّق بأعمال الإنسان، والأعمال إمّا قلبية أو قولية أو فعلية، كان الأدب مع سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لابدّ وأن يكون أنواعًا ثلاثة: أدب قلبي، وأدب قولي، وأدب فعلي.
فالأدب القلبي، وهو رأس جميع الآداب، وأصله الإيمان به صلّى اللّه عليه وسلّم وتصديقه، وحبّه وتعظيمه وتوقيره، مع اعتقاد تفضيله صلّى اللّه عليه وسلّم على كلّ أحد من الخَلق، فهو كما وصف نفسه صلّى اللّه عليه وسلّم متحدّثًا بنعمة ربّه عليه، قائلاً: ''أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل مَن تَنشَقُّ عنه الأرض، وأوّل شافع وأوّل مُشفّع''، أخرجه مسلم. وذلك باستشعار هيبته وجلالة قدره، واستحضار مكانته ومنزلته، وأخلاقه وشمائله صلّى اللّه عليه وسلّم.
والأدب القولي، وهو ما يتعلّق باللِّسان، واللّسان دليل القلب، والمؤمن كما يتأدّب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقلبه، فإنّه يتأدّب معه بقوله، لأنّ هذا أمر اللّه تعالى للمؤمنين، وعلامة من علامات محبّته صلّى اللّه عليه وسلّم. بأن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فإنّه سبب لحبوط الأعمال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} الحجرات:2. وأن لا نذكره باسمه فقط، بل لابدّ من زيادة ذكر النّبوة والرسالة لقول اللّه تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} النور:36. وكذلك الصّلاة عليه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما أمر اللّه تعالى بقوله: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب:65، وهي مِن أفضل القُربات وأجَّل الأعمال، ومن مظاهر حبّه والأدب معه.
والأدب العملي، وهو ما يتعلّق بعمل بالجوارح، ويكون بالعمل بشريعته، والتأسّي بسُنّته ظاهرًا وباطنًا، والتمسّك بها والحرص عليها، والدعوة إليها، وتحكيم ما جاء به صلّى اللّه عليه وسلّم في الأمور كلّها، والسّعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه صلّى اللّه عليه وسلّم.